الواسطي مدرسة بغداد للتصوير الحي متابعة /كريم نصيفيعد الواسطي (يحيى بن محمود الواسطي) أحد أهم مؤسسي مدرسة بغداد للتصوير، وأشهر الرسامين والمزخرفين العرب والمسلمين في أواخر العصر العباسي ولد في واسط جنوب العراق ، بداية القرن الثالث عشر الميلادي، ويعتبر الواسطي مؤسس المدرسة البغدادية للمنمنمات ، اذ ترجم الصور الفكرية الى واقع يرى بالعين بدل الوصف السردي ، لذلك اغلب لوحاته في مخطوطة (مقامات الحريري) هي معبرة عن واقع تفصيلي ينقل ادق التفاصيل على الورق ، يحاكي الواقع من خلال الرسوم والألوان والشخوص ومكنون الحياة الاجتماعي ،عاصر الكثير من العلماء والمؤرخين والادباء مثل (الجزري ، وياقوت الحموي ) وغيرهم ، كتب نسخة من مقامات الحريري مؤرخة سنة ( 635هـ -1237م) وزينها بمائة منمنمة من رسومه تعبر عن الخمسين مقامة (قصة) وهي محفوظة في المكتبة الوطنية في باريس بالرقم (5847) ، وعمل على تزويق الكثير من المخطوطات ، وكان مثقف واسع الاطلاع ترجم الصور الذهنية إلى واقع يرى بالعين المجردة ، يخاطب بعمق أبعاده ما يخاطب العين بجمال ألوانه ، واستطاع الواسطي أن يرسخ صور الحياة، والبيئة والغارات، والطقوس، والتقاليد والأحداث التاريخية، وطبيعة المناخ، والعمارة ، والزي العسكري، والمدني، وملابس الأمراء، ومجالسهم ومجالس السمر، ومجالس العلم، وغيرها من الصور المنمنمة ، عبر تاريخها الطويل في الفن ،وكانت للثقافة في تجلياتها الإبداعية في مجال العلوم والأدب والتاريخ وفي مختلف المجالات الأخرى عبرت عن رؤية متكاملة وبعيدة لفن المنمنمات والمزوقات في المخطوطات والمنسوجات والعمارة وكانت ذات طابع فلسفي في اغلب اعماله اذ يسعى دوما إلى تكريس المفاهيم البغدادية العلمية والفنية ذات الطابع الجمالي بمفهوم روحاني وبدأت هذه الصورة المعبرة للجمال تأخذ منعطفا كبيرا مع محاكاة الواقع بعيدا عن الخيال الذي دعم الاتجاهات البناءة والإنسانية ورفدها بروح جديدة مستمدة من العقيدة الإسلامية المتمثلة بخصائص التوحيد ومع تطور الثقافة عبر تاريخها مع شعوب العالم و الأمم البعيدة والقريبة منها استطاع الواسطي أن يخرج بمنظور متفرد ، لمدرسته بعيدا عن اختلاطها بالثقافات الأخرى بحيث تكون لها تجارب طويلة وخبرة عميقة بفن المنمنمات الواقعية ، وأصبحت اعماله تتمتع بمميزات خاصة أغنت الفن والفنانين. وقد تميز هذا الفن ، الذي عرف باسم المنمنمات بخصائص مميزة تشكل الجوانب التقنية والأسلوبية لتوظيف عنصر الشكل واللون بمزايا خاصة وكان الأسلوب سابقا يفتقر أليها وينطلق هذا كله من فلسفة تتناول الإنسان والكون والدين في أطار عرفاني وتربط فلسفة التصوير في الإسلام بين العالمين المادي و الروحاني ربطا محكما ينزع إلى الكمال ويجعل من أعماله غطاء فريدا في مزايا تقربه ، وهو احد انواع ممارسة الطقوس والتقاليد المجتمعية فضلا عن الطقوس الدينية ، وقد ارتبط هذا النوع من التصوير بتطور علوم المخطوطات، التي تناولت شتى أنواع المعارف ، التي تحتوي على مختلف الرسوم التوضيحية والتزينية بألوانها الزاهية والمذهبة والمزوقة ، وان كانت أعداد قليلة من المخطوطات الواسطي، معروفة ومحفوظة في العالم، الا انها لها أهمية بالغة ،فهي تمثل مرحلة تاريخية مهمة من مراحل الفن التشكيلي ، وقد عكس فن المنمنمات في رسوم الواسطي مراحل تطور تتمتع بمزايا خاصة قل نظيرها بين الفنون الأخرى ، فنجد فيها ما يغري باستغراق البصر والبصيرة بحثا عن العمق الروحي والوجداني اذ تزخر في هذه المنمنمات صور متتابعة لفردوس من الحدائق والأزهار والأوراد والأجساد البشرية والحيوانية ذات بعدين تسبح داخل أطار خيالي يدفع بالمتلقي لان يرى معظم المفردات والشخوص المنمنمة كأن لهم حركة طبيعية وهو ما يفتح أمام العين والعقل آفاق رحبة للتأمل والتفكير لملاحقة المعاني الخفية والكامنة خلف دقة ألوانها الزاهية بما يتماشى مع النزعة الواقعية الحية والغنية بالإرث الحضاري والانساني

share in